سحر الكلمات

سحر الكلمات

سحر الكلمات


عرف القدماء اللغة على أنها تلك الحزمة من الأصوات المنتظمة التي يصوغها الفرد في قالب لغوي معين للإفصاح عن احتياجاته.

 يعد هذا التعريف محدودا لأنه يحصر اللغة في كونها مجرد أداة من أدوات التواصل التي بدونها ينضب نهرالنشاط التفاعلي للإنسان.

لكن هل اللغة حقا تقتصر فقط على ترجمة حاجياتنا كبشر إلى كلمات؟ أم أنه ثمة هنالك وظائف أخرى للغة أشد تأثيرا على حياتنا؟


تقول الاخصائية الإجتماعية والمعالجة النفسية ليزا فيرينتز: "لا يوجد شيء أكثر أهمية من الطريقة التي نتحدث بها مع أنفسنا لأن هذا المونولوج الداخلي يدرك بطرق خفية وعلنية كل أفكارنا والحالات العاطفية والخيارات السلوكية."


ذوو الاختصاص في كل ما يتعلق بالتنمية البشرية و البرمجة اللغوية أبانوا على الأهمية البالغة التي تكتسيها اللغة أو الكلمات في الحياة اليومية للانسان.. بل و ذهب بعضهم الى الإقرار بكون الكلمات التي نرددها بشكل مستمر تساهم بنسبة عالية في تحديد المنعطف الذي سنسلكه و في الحصول على نظرة أكثر صحة للحياة.. و أن ذريعة الفشل تلك قد تكون خلفها كلمة لا تفارق تفكيرنا. فبترديدك لعبارة: أنا إنسان فاشل، تبرمج عقلك على ركوب باخرة ستغرق لا محالة في منتصف الطريق.


طريقة مخاطبتنا لأنفسنا قد تغير الكثير.. أن تقيم نفسك و تلقي عليها وابلا من كلمات الثناء قبل انتظار الثناء من الآخرين، أن تحدث نفسك بكلمات تختارها بعناية فائقة.. لكل هذا وزن في ترجيح كفة السلام الروحي و الرضى عن الذات.


"الاحداث و الاشياء الكبيرة تحتاج كذلك كلمات كبيرة و مميزة للتعبير عنها"


للكلمات قوة خيالية على جعلك تنتشي طعم الأشياء و كذا قيمة وجود بعض الأشخاص في حياتنا. ففضلا عن السلام الروحي و الثقة التي تمنحك إياهما الكلمات المناسبة، انت في حاجة إلى تقدير محيطك كذلك. و ليس كل ما يعترض طريقنا جدير بالتقدير ذاته. ف"منظر جميل" يختلف تماما عن "منظر مذهل و جذاب"، و قولنا "طريق صعبة" يختلف هو الآخر عن قولنا " طريق محفوفة بالمخاطر و كثيرة العوائق و الموانع. "


للكلمات سحر لا يقاوم، يضفي بريقا خاصا على حياتك.. يجعلها مزدانة بالألوان.. ألوان تندمج بتدرجاتها، باختلافها في سبيل بث روح حية في طابور الرتابة التي نتجه صوبها جميعا.


الأمر هنا لا يخص الكلمات فحسب بل كذلك في نظرتنا المشرقة للأشياء على اعتبارها مميزة، مختلفة و تستحق الاهتمام.

فتحفة فنية تخطف الانظار برونقها الأخاذ إذا ما غيرنا مكانها ووضعناها في زاوية أرفع قد يزداد جمالها بأضعاف.

حالما نبلغ تلك المرحلة التي نستطيع إبانها التعبير عن كل شيء بالطريقة التي يستحقها، نكون بذلك قد حددنا قيما خاصة لنا، و طردنا تلك النظرة الصماء و العادية لكل ما يحيط بنا.

النظرة الخاصة للأشياء، التي تخلق تناغما رنانا بين العين، القلب واللسان: نرى شيئا، يوقد فينا إحساسا معينا فنفصح عنه بالطريقة المثلى التي يستحقها تماما.

تلك بالتأكيد، هي النظرة التي تجعل من حياتنا معزوفة موسيقية متعددة الايقاعات.
إن أجمل و أبدع ما تحفل به جعبة الكلمات هو تلك الطاقة اللامثيل لها و تلك القدرة الهائلة على تغيير مسار حياتنا و طريقنا إلى قلوب الكثيرين.


وسط كل الدمار النفسي الذي قد يفتك بنا من حين لآخر، كل تراكمات الحياة، قد تتسلل كلمة من الكلمات إلى داخلك مخمدة النار التي لحقت بك، و فردت السلام و التوازن في كل قطعة منك.