في جو من الندم الفكري
يقول كيليطو: خصوصية الكتابة مرتبطة بنوعية القراءة. ماذا قرأت؟ وبادئ ذي بدء، ما هو أول كتاب قرأته؟ في كل مناسبة أقدِّم عنواناً مختلفاً حسب مزاج الل..أقرأ المزيد
Livraison en 1-4 jours
يقول كيليطو: خصوصية الكتابة مرتبطة بنوعية القراءة. ماذا قرأت؟ وبادئ ذي
بدء، ما هو أول كتاب قرأته؟ في كل مناسبة أقدِّم عنواناً مختلفاً حسب مزاج
اللحظة، ومنعرجات الذاكرة، وحسب الشخص الذي يسألني ولغته والأدب الذي ينتمي
إليه، فأقترح، بل أخترع كتاباً أول، أُبدع مرة أولى. ها نحن أمام مسألة
البدايات. هل هناك أصلاً مرة أولى؟ في أغلب الأحيان لا تكون مؤكدة ومضمونة،
سواء أتعلق الأمر بالقراءة أو بأمور أخرى. ما إن نعتقد الإمساك بها حتى
نكتشف، وربما في الحين أو فيما بعد، أنها مسبوقة بأخرى. المرة الأولى في
النهاية هي المرة بعد الأولى، وفي أحسن الأحوال المرة الثانية.
إلى أن يكشف: ليست طريقتي في الكتابة من اختياري، ما هو شبه مؤكد أن ليس
بمستطاعي أن أكتب بطريقة أخرى، ولعل هذا هو تعريف الأسلوب، أن تظل حبيس
طريقة في الكتابة.
اتضح لي هذا على الخصوص، يضيف كيليطو، وأنا أقرأ الجاحظ، فهو الذي خلصني من
شعوري بالنقص يوم أدركت أنه لم يكن يستطيع، أو على الأصح لم يكن يرغب في
إنجاز كتاب بمعنى استيفاء موضوع ما والمثابرة عليه والسير قدماً دون
الالتفات يميناً أو يساراً. هو نفسه يقر بهذا ويعتذر مراراً ... على ماذا؟
كدت أقول على تقصيره، وما هو بتقصير. يعلل الأمر بتخوفه من أن يمل القارئ،
والواقع أنه هو أيضاً كان يشعر بالملل ويسعى إلى التغلب عليه، وهذا سرّ
استطراداته المتتالية. أسس الجاحظ بصفة جلية فن الاستطراد، دشن (ها نحن قد
رجعنا دون أن نشعر إلى مفهوم المرة الأولى) فن الانتقال المفاجئ من موضوع
إلى موضوع، من شعر إلى نثر، من موعظة إلى نادرة، من مَثَل إلى خطبة، من جد
إلى هزل. وإذا كان من اللازم تشبيهه بكاتب أوروبي، فلا أرى أفضل من الفرنسي
مونتيني الذي كان يكتب، على حد قوله، «بالقفز والوثب». ولا أشك أنه كان
يقرأ أيضاً بهذه الطريقة