رسالة الغفران من أثمن روائع
الأدب النثري العربي القديم، تكمن فيمتها في مزايا عديدة ليس أقل أن كاتبها
هو أبو العلاء المعري. هي في العدد نموذج رائع للتخيل الفني بالتفاصيل،
المجدد في الجماليات، المتنوع في التصاوير، الحافل بالمعاني، الفكاهية
والفلسفية وهي ثروة لا تحد بغناها اللغوي، وتوسعها الأدبي، حوت نماذج من
شعر ما يزيد على ثلاثين شاعر وأديب، ومباحث في اللغة والصرف والنحو، وأتت
على بحر من المفردات ليس له مثيل في أي عمل أدبي سابق أم لاحق. لكن قيمة
رسالة الغفران، تكمن في ما هو أهم من غناها اللغوي وغزارتها
الأدبية وتجديدها الجمالي. قيمتها أنها تحمل في ثناياها أصداء موقف فلسفي
من الدين والدنيا وضعه صاحبه في إناء أدبي كثرت ثناياه حتى كادت تضيع
ملامحه.
فرسالة
الغفران في معناها الأخير موقف فلسفي من الدين والدنيا ومن الأدب والحياة.
موضوعها كرحلة في الماوراء وهي تعكس موقف المعري من الدين والتخيل الديني
الذي هو متوافق مع موقفه فهما في تراثه عامة، إذ نجد في لزوبعاته أصداء
سخرية رسالة الغفران من بعض التصورات الدينية التي يرينا المعري أن لا مكان
لها في شريعة العقل. وفي رسالة الغفران يمارس أبو العلاء التصوير
الكاريكاتوري الساخر نفسه الذي مارسه في رسالة الملائكة، التصوير الذي يمثل
المستحيل المستحب عند الصغار وعند الكبار الذين يفهمون ما وراء تصوير
المستحيل.
بالإضافة
إلى ذلك ففي رسالة الغفران موقف من الأدب والأدباء نجده واضحاً في نوعية
الأدباء الذين اختارهم أبو العلاء لأوار في مسيرة رسالته، وفي من أقام منهم
في الجنة، ومن وضع في النار منهم، كما في تفاصيل المباحث الأدبية واللغوية
التي يدور حولها الحوار والمعري يمارس أيضاً نوعاً جديداً من النقد الأدبي
في رسالته هذه، فهو إلى جانب أمور الصرف والنحو يقوم بنوع من الدرس
المقارن في الموضوع الواحد. فإذا مرت مثلاً فكرة أباريق الخمر في وصفه
للجنان أشنعها بذكر كثير من أبيات الشعراء في الموضوع نفسه مقدماً لنا فرصة
مقارنة بعضها مع البعض الآخر والرسالة الكاملة تقع في جزأين الجزء الأول
هو وصف رحلة إلى الماوراء، والجزء الثاني بحث في أدب بعض الشعراء من مثل
أبي نواس والمتنبي وأخبارهم وغيرهم من الأدباء في موضوع الرد على رسالة ابن
القارح لسكان الجنة: بما غفر لكم؟ أما القسم الثاني فهو على أهميته
الأدبية لا علاقة له بالقسم الأول وأهميته محظورة بأمور اختصاصية في الأدب
والسيرة فلم يتم إدراجه في هذه الطبعة
Editeur :
Dar Al-Kotob Al ilmiyah-دار الكتب العلمية بيروت