مدخل إلى فلسفة ميشيل فوكو
عندما شرعتُ في دراسة فلسفة ميشيل فوكو في تسعينيات القرن المنصرم، كان القارئ العربي قد تعرِّف على بعض الترجمات لأعمال هذا الفيلسوف والقليل من الدرا..أقرأ المزيد
Possibilité de commande
avec un délai de livraison
de 1 à 4 semaines
عندما شرعتُ في دراسة فلسفة
ميشيل فوكو في تسعينيات القرن المنصرم، كان القارئ العربي قد تعرِّف على
بعض الترجمات لأعمال هذا الفيلسوف والقليل من الدراسات عنه، وكانت بعض
مقولاته قد عرفت طريقها إلى الفكر العربي المعاصر، لكن تبيَّن لي بعد النظر
والتدقيق، أن ما كان متداولاً من مقولات وأفكار هذا الفيلسوف
يحتاج إلى بحثٍ مستطرد معمِّق ودقيق، وإلى قراءةٍ تحليلية ونقدية جديدة
تسدّ الثغرات في اللوحة الفكرية العامة لهذا الرجل الإستثنائي.
تتمثل
عناصر هذه القراءة في دراسة القضايا أو المشكلات من خلال المتن أو النصّ،
والسياق النظري والتاريخي، ومن ثم القيام بعمليتَيْ التعيين والنقد وذلك
لإرتباط النقد بالتعيين. وبالتالي، فإن هدف هذه القراءة النقدية ليس الرفض
أو الدحض وليس القلب أو التكذيب، أي ما يُسمى بالنقد الجذري، وإنما تعيين
الحدود التي تمكّن من تحقيق التجاوز وهو ما يُعرف بالنقد البنّاء.
عشرة
أبحاث / فصول موزعة على ثلاثة أقسام تناولتُ في القسم الأول منها المنطلقات
المنهجية لقراءة فلسفة فوكو قراءة مثلثة الأبعاد من خلال التصنيف، التأويل
والنقد؛ وخصصت القسم الثاني للسياسة وعلاقة السلطة بالقانون وعلاقة العلم
بالسياسة، والسياسة الحيوية تحديداً وعلاقتها بالسلطة الإنضباطية مجسّدة في
الأنظمة العنصرية والشمولية، وأفردتُ القسم الثالث لمسألة القيم كما تجلّت
في مواقف فوكو من الدين والثقافة والزهد والتنوير وما بعد الحداثة... إلخ،
وكذلك موقفه من الأخلاق وإرتباطه الوثيق بمسائل الجنس والسلطة والذات
ودعوته إلى ما اصطُلح عليه بالموقف الأخلاقي في حدوده الدُنيا، مع التطرق
ربما ولأول مرة بالعربية إلى موقفه من الجمال عموماً ونظرته إلى الفن
والأشكال الفنية.
يُمكن القول إن هذه الأبحاث / الفصول على الرغم من
طابعها الظرفي، إلا أنها تصدر عن منظور واحد جامع قدّمت من خلاله فلسفة
ميشيل فوكو في كلّيتها وشموليتها، مع مقارنتها بغيرها من الفلسفات الأخرى،
لكن حاولت في الوقت نفسه أن أبيِّن حدودها وإمكانياتها المعرفية وقُدراتها
التحليلية بعيداً عن كل أشكال النمطية والشكلية والأحادية.
وبعد، ليس
الهدف من هذا الكتاب تقديم فلسفة جاهزة لها حقائقها الثابتة، بل تقديم
قراءة نقدية مفتوحة للنقاش، علّها تسعفنا معشر العرب في فحص مشكلاتنا
الفكرية والحضارية المستعصية.